لبنان تعود للغليان الدبلوماسي .. هل تحاول السعودية جذب الجنرال عون صفها وابعاده عن معسكر “المقاومة” بشكل “حريري”
يمنات
ربما يكون لبنان صغيرا في حجمه ومساحته الجغرافية، ولكنه يظل كبيرا في تأثيره الإقليمي رغم الهزات العديدة التي تعرض، وما زال يتعرض لها، ورغم دينه العام الذي تجاوز 75 مليار دولار، وباتت الدولة عاجزة من تسديد جزء من فوائده ناهيك عن اقساطه.
من يتابع الشأن اللبناني هذه الأيام، وبالتحديد منذ انتهاء ازمة الانتخابات الرئاسية، وفوز العماد ميشال عون فيها بدعم من “حزب الله”، وصفقة بينه (أي الحزب) والسيد سعد الحريري، أرادها الأخير لإنقاذ ما تبقى من مستقبله السياسي المتآكل، يلمس ان السباق الإيراني السعودي، الذي توقع كثيرون انه جرى حسمه لمصلحة طهران بوصول الجنرال عون الى قصر بعبدا، يعود اقوى مما كان، ولكن بأسلوب اكثر نعومة، اثر حدوث تغيير في أسلوب التعاطي السعودي مع الملف اللبناني.
قبل يومين حط الرحال في لبنان الأمير خالد الفيصل مستشار العاهل السعودي وامير منطقة مكة على رأس وفد كبير غاب عنه تامر السبهان، وزير الدولة للشؤون الخليجية، وحل مكانه وزير دولة آخر مخضرم هو السيد نزار مدني، ولكن للشؤون الخارجية.
زيارة الأمير السعودي التي جاءت من اجل تحقيق هدفين: الأول تقديم التهاني باسم الملك سلمان بن عبد العزيز الى الرئيس الجديد الجنرال عون، المحسوب على معسكر المقاومة، والثاني تسليمه دعوة لزيارة المملكة العربية السعودية، هذه الزيارة والحفاوة التي أحاطت بأميرها، والمآدب اللافتة التي أقيمت على شرفه، سرقت الأضواء من زيارتين أخريين سابقتين للغرض نفسه، كانت الأولى للسيد منصور عزام، وزير شؤون الرئاسة السوري، اما الثانية فكانت للسيد محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني.
هذه هي المرة الأولى، ومنذ رحيل الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي المخضرم، يجري تكليف امير سعودي في وزن خالد الفيصل، لحمل ابرز ملفات الشأن اللبناني، ان لم يكن أهمها، فالرجل، وان كانت فد انحسرت عنه الأضواء داخليا بعد نقله من وزارة التعليم الى امارة مكة مجددا في نظر البعض، فإن هناك من يفسر تكليفه بهذه الزيارة الى لبنان قد يكون مؤشرا لتعيينه وزيرا للخارجية مكان السيد عادل الجبير، وإعادة هذه الوزارة الى “آل الفيصل” في اطار ترتيبات جديدة داخل العائلة الحاكمة، وتخفيف حدة صراع الاجنحة فيها، خاصة بعد فشل الحل العسكري في اليمن الذي عارضه الكثيرون داخلها، ولكن بصمت.
نعود الى لبنان، ونترك الشأن الداخلي السعودي جانبا، ونتوقف عند حالة الفتور، او بالأحرى “عدم الرضا والارتياح” التي يمكن رصدها، في أوساط معسكر “حزب الله” تجاه هذه “الهجمة” السعودية الدبلوماسية، وظهور بعض التكهنات التي تقول بأن “تنازلات” السيد الحريري عن مواقفه الرافضة لتولي الجنرال عون الرئاسة بسبب قربه من معسكر المقاومة، كانت بإيعاز سعودي، وليس “مقامرة” منه مثلما جرى الترويج لها، وخطوة محسوبة بعناية فائقة من قبل صانع القرار السعودي.
فلوحظ انه بعد تقدم السيد الحريري بمبادرته، وانتخاب الجنرال عون رئيسا، أفرجت الحكومة السعودية عن المخصصات المالية او جزء كبير منها لشركة “سعودي اوجيه” التي يمتلكها، مما انقذها جزئيا من الإفلاس، وجاءت زيارة الأمير الفيصل لتعيد “اعتماد” السيد الحريري علنا كرجل السعودية الأول في لبنان، وتراجع الرهانات الأخرى على شخصيات “سنية” بارزة مثل اشرف ريفي، ونجيب ميقاتي، وفؤاد السنيورة، ابرز المتنافسين على هذا الاعتماد.
الترحيب “الحار” الذي لمسه الأمير الفيصل من الجنرال عون اثناء زيارته لقصر بعبدا مهنئا، والتسريبات التي صدرت عنه وتفيد بقبوله دون تردد تلبية الدعوة لزيارة الرياض فور تشكيل الحكومة برئاسة الحريري، بحيث تكون اول زيارة خارجية له، كلها عوامل اثارت قلق معسكر “حزب الله” وابرزت مخاوفه من وجود “مؤامرة” سعودية لانتزاع الجنرال عون من معسكره، او ان “يتحول الى رئيس وسطي اشبه بسلفه ميشال سليمان”، على حد وصف صحيفة “السفير” اللبنانية المعروفة بوقوفها في خندق معسكر المقاومة.
صحيح ان الأمير الفيصل اكد في كلمته التي القاها في احد حفلات العشاء التي أقيمت تكريما له في لبنان “ان السعودية لا تريد لبنان ساحة خلاف بل ملتقى وفاق عربي”، ولكن من الواضح ان محاولاتها لجذب الجنرال عون الى دائرة فلكها وابعاده عن معسكر “حزب الله” مستمرة، ولكن بشكل “حريري” وليس صدامي، خاصة تلويح المقربين منها بأن الرئيس عون سيناقش في السعودية هبة التسليح للجيش وقوى الامن اللبنانية وقيمتها ثلاثة مليارات دولار، وتأكيد هؤلاء انها ما زالت قائمة ولم تلغ رسميا.
هجوم قناة “المنار” اللبنانية، الناطقة باسم “حزب الله”، على المملكة في ذروة حفلات التكريم للامير الفيصل، وطرحها عدة أسئلة عليه، ومطالبتها بأجوبة، مثل عما اذا كانت بلاده السعودية سترسل وفدا لتهنئة العراق على حسن إدارة حكومته للزيارة المليونية لاربعينية الامام الحسين؟ وهل ستعتذر عن ما سمته بتطاول صحيفة “الشرق الأوسط” على المسلمين وشعائرهم الدينية ومناسباتهم الروحية”.
قطعا لا تتوقع محطة “المنار” أي اجابات من الأمير السعودي الزائر، ولكنها ارادت في مقدمة نشرتها الإخبارية الرئيسية ان “تغمز″ في قناة بلاده وتنظيمها لموسم الحج قبل الماضي، ومقاطعة ايران ولبنان “غير السني” له هذا العام، وتظهر عدم الارتياح تجاه هذه الهجمة الدبلوماسية الملكية السعودية على لبنان.
الساحة اللبنانية عادت الى الغليان الدبلوماسي، والمماحكات الحزبية مجددا، ومن المؤكد ان حالة عدم الارتياح من هذا الهجوم الدبلوماسي السعودي “الناعم” ستنعكس على شكل صعوبات وعقبات اكبر في طريق جهود الرئيس الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة.
السعودية تحاول العودة بقوة الى لبنان من نافذة الحريري، وبوابة قصر بعبدا بعد مراجعتها للأخطاء السابقة، وسياسات “الحرد”.. والأيام بيننا.